في بعض الأحيان لا يمكن احتكار فكرة جديدة ومربحة، نحن ندرك ارتباط الأفكار الجديدة بالابتكارات وبراءات الاختراع فهما الإطار القانوني الحامي لهذه الأفكار. ولكن لا يوجد قانون في العالم – ولا في منطقتنا – يمنعك من تقليد مفاهيم أو أفكار يمكن لمشروع جديد التمحور حولها.
ولكن هل يستحق الأمر هذا العناء؟ هل يمكن أن تحقق شركة ناشئة النجاح بفكرة مستعارة؟
حسناً، إذا فكرنا في الأمر، نرى أنّ معظم الشركات الناجحة والمعروفة عالمياً والتي تُحدث أثراً كبيراً على حياتنا اليوم لم تكن لتكون لو كان تقليد الأفكار محرماً. ومن الأمثلة على ذلك: اليوتيوب، والفيسبوك، وكريم، وآبل…. وغيرها!
إذا كنت لا تزال تشعر بالحيرة حيال الجدوى طويلة الأمد لتقليد الأفكار لشركتك الناشئة، دعنا نحاول إقناعك بهذه الجدوى بذكر بعض من الأسباب الوجيهة.
الابتكارات الجديدة قد تكون ممتعة ولكنها محفوفة بالمخاطر
في بعض الأحيان، من الأسهل تقليد الفكرة على الإتيان بها.
وحتى نفهم هذا بشكل أفضل، حاول أن تضع نفسك مكان الأخوان رايت (مخترعي الطيارة) للحظات: كلاهما كان يعلم بأن الناس متحمسون تجاه الآلة الجديدة الشبيهة بالطير، والتي قاما باختراعها، وكلاهما شديد الفخر. ولكن عندما يتعلق الأمر بالجانب التجاري، فليس لديهما أدنى فكرة حول ما إذا كانت هذه الآلة الجديدة (الطائرة) ستدلل على نموذج أعمال ربحي أم لا.
لنضع الربح جانباً، هما لا يعلمان إن كان الناس مستعدين للمخاطرة بحياتهم والركوب على متنها. وحتى وإن خاطروا بحياتهم، فهما لا يعلمان إن كانت الطائرات تمتلك أي ميزة تنافسية إذا ما قورنت بالقطارات أو السفن مثلاً. في هذه المرحلة، يُعتبر البدء بتسويق منتجك غاية في الخطورة. فالتقييم غير الدقيق وإن صغر قد يؤدي إلى تدمير مشروعك بأكمله حتى قبل أن تبدأه.
أفهمت الفكرة؟ هذه هي المشكلة مع الابتكارات. فهما بلغت نتائجها من عظمة، فلا يزال عامل الخطورة أعلى بكثير مما يمكننا تحمله. وهو أمر لن تضطر للقلق بشأنه إن كنت تقلد فكرة لديها سجل حافل بالنجاحات.
التقليد أو استقاء الالهام من فكرة شخص آخر يمكن أن يكون مفيداً للغاية، فأنت تعلم بالفعل ما الذي قد يحقق النجاح من عدمه. وكمثال، نذكر شركة كريم، الشركة الرائدة في البحرين والشرق الأوسط ككل، والتي اتبعت هذا المسار.
لم تكن كريم المنصة الأولى من نوعها. وهي نسبياً لم تبتكر شيئاً ولم تخاطر على الإطلاق. استقت كريم الإلهام من نجاح شركات شبيهة مثل أوبر وليفت، واللتان كانتا موجودتان بالفعل. قامت كريم بتقليد نموذج أعمالهما، وقامت ببعض التعديلات، لتحصل على حصتها السوقية، واليوم تعمل كريم في أكثر من 100 مدينة حول العالم وتقدّر قيمتها بأكثر من 2 مليار دولار.
لا يكترث العملاء عادة بهوية صاحب الفكرة
في الأسبوع الماضي، وبينما ناقشنا الأسباب الأربعة الأكثر شيوعاً لفشل الشركات في الشرق الأوسط، تحدثنا باختصار عن ShareYourWorld.com.
هو موقع إلكتروني أنشأه رائد الأعمال المتسلسل تشايس نورلين، وكان ShareYourWorld أول منصة مشاركة فيديوهات رقمية في العالم. وبالرغم من أصالة وألمعية فكرته إلّا أن ShareYourWorld وللأسف لم يحقق أي نجاح يُذكر. فقد كانت مشاهدة الفيديوهات عبر الإنترنت شكل من أشكال الترف والرفاهية، نظراً إلى أن تغلغل الإنترنت كان منخفضاً في معظم أنحاء العالم، وكذلك كان النطاق الترددي المقدّم من قبل معظم مزودي خدمة الإنترنت. وفي العام 2001 واجه الموقع مصيره الحتمي.
بالمقابل وفي عام 2005، قام اليوتيوب باستعارة فكرة ShareYourWorld التي تمت تجربها وكُتب لها الفشل قبل عدة سنوات. وكان الاختلاف في هذه المرة هو أنّ التكنولوجيا والإنترنت أصبحا أكثر تغلغلاً وأقل تكلفة. واليوم، ودون أدنى شك، اليوتيوب هو أهم منصات مشاهدة الفيديوهات في العالم.
المغزى من هذه القصة هو أنّ الأمر لا يتعلق بمن أتى بالفكرة الجديدة! ولكن من نفّذها بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب. والجزء الأخير غاية في الأهمية لأنّه حتى وإن تم تقليد أنجح الأفكار فهذا لا يضمن أبداً نجاحها.
التوقيت وطريقة تنفيذ الفكرة أهم من أصالتها
بالطبع، التقليد الأعمى لا يفيد في هكذا حالات، إذ يتوجب عليك تعديل الأمور قليلاً، وإضافة القليل من الإثارة ليكون المنتج النهائي جذاباً بصورة كافية للجمهور المستهدف والذي بدوره سيفضل العمل معك دوناً عن غيرك.
دعنا نوضح ما سبق بمثال يتعلق بأكثر منصات التواصل الاجتماعي قوة وتأثيراً اليوم: الفيسبوك.
تم إطلاق الفيسبوك في 4/ فبراير/ 2004، ولم يكن الفيسبوك أول شركة تُبنى على مبدأ التواصل الاجتماعي. ففي ذلك الوقت كانت هناك شركات أخرى بنفس المبدأ وكان أداؤها جيداً للغاية.
لقد حقق MySpaceنجاحاً عظيماً في معظم أنحاء العالم، وحتى Orkut والذي سبق الفيسبوك كان نجاحه باهراً في أسواق بعينها مثل الهند والبرازيل.
ومع أنّ MySpace كان أكبر وأحدث منصة تواصل اجتماعي في العالم، فقد خسر مكانته ليحتلها الفيسبوك في عام 2009. أمّا Orkut فلم يُبلي بلاءً حسناً في بلدان مثل الولايات المتحدة، وتلاشى شيئاً فشيئاً حتى في البلدان التي حقق النجاح فيها (وانتهى أمره في عام 2014).
ولكن لماذا نجح الفيسبوك بالرغم من أنه بُني على فكرة موجودة بالفعال، بينما فشلت الشركات الأخرى؟ والأهم من ذلك، لماذا لم يُكتب النجاح لمواقع التواصل الاجتماعي الأخرى والتي تبعت نموذج الفيسبوك؟
تكمن الإجابة في اقتباس آدم هارتانغ، مؤلف كتاب ‘أحدث أثراً طاغياً على السوق: كيف تبقى في الطليعة’:
“[…] تكمن ألمعية مارك زوكربيرغ باستعداده للقيام بأي شيء يريده السوق. فبنظره تكون لعبة فارمفيل وغيرها من الألعاب الاجتماعية فكرة مرحباً بها! وكذلك الطرق المختلفة للعثور على الأصدقاء المحتملين. ونرى المؤسسسين يواصلون استخدام التكنولوجيا للقيام بأي شيء يريده المستخدمون. فإذا كان لديك كمستخدم فكرة للتواصل حول أمر ما، يقوم الفيسبوك بدفع فريقه التقني لجعل فكرتك حقيقة، ويستمر في الإصغاء لمستخدميه.”
لذا وكما ترى من الأمثلة السابقة، من الطبيعي استقاء الإلهام من أفكار الشركات الناشئة والتعديل عليها طالما لديك الثقة بقدرتها على تلبية حاجات السوق المستهدف.
وهناك عدد من الشركات البحرينية الناشئة والتي بدأت بالاعتماد على أفكار الشركات الناشئة التي حققت النجاح في أجزاء أخرى من العالم. وقد قامت هذه الشركات بالتعلم من هذه الأفكار والتعديل عليها لتتلاءم مع السوق المستهدف في الشرق الأوسط. وكمثال، لنا أن نتحدث عن GetBaqala، والتي رسخت نفسها في سوق توصيل البقالة حتى وإن لم تكن أول شركة أتت بنموذج الأعمال هذا.